الفاف الحلو
حرائق لوس أنجلوس اندلعت بلا بطولاتٍ حقيقية! نجوم السينما والموسيقى والفن ركضوا هاربين بأرواحهم فقط، تاركين وراءهم بيوتًا بملايين الدولارات تلتهمها النيران. حيّ Pacific Palisades الراقي في Los Angeles، الذي يسكنه كبار المشاهير، أثبت لنا هشاشة هذا المجتمع أمام المخاطر.
أفلام هوليوود طالما ربطت مفهوم النجاح بالثروة، فبات نجاح الفرد مرهونًا بحجم السيولة المالية والعقارات والسيارات التي يملكها، في حين يُحمَّل الفقير مسؤولية فقره وكأنه مجرد قرار شخصي خاطئ؛ فلا ذِكر للاختلالات الطبقية أو عيوب النظام الرأسمالي. واليوم، عندما وقعت الكارثة، ظهرت “أنانية” البعض واضحة للعيان. فرأينا مشاهد الهروب المرعبة التي لم يُكلِّف فيها أحدٌ نفسه أن يسأل عمّن بجواره أو يطرق بابه محذِّرًا. بل اكتفى البعض بأخذ كلابهم أو قططهم وطعامها، تاركين جيرانًا لا يستطيعون حتى تشغيل سياراتهم، في مشاهد نقلتها شبكة CBS بكثير من السخرية السوداء على حقيقة المجتمع، بعيدًا عن خيالات السينما.
بالطبع، معظم هذه المنازل مغطّاة بتأمين ضد الحرائق والزلازل، يدفع أصحابها أقساطًا سنوية لشركات التأمين التي ستتكفل بإصلاح كل شيء. لكن السينما للأسف لم تُظهِر لنا واقع الدنيا الحقيقي، وكيف أنها قد تُعطي ثم تأخذ دون سابق إنذار. واستمرّت في تكريس فكرة الثروة كعنوان وحيد للنجاح، مما خلق أنانية مفرطة وعجزًا واضحًا في مواجهة المصائب، ظنًّا بأن تراكم المال هو كل شيء في الحياة.
لقد وقفت سينما هوليوود اليوم أمام اختبار عسير، وفشلت فيه تمامًا، لأنها لم تُسهِم في صناعة “الإنسان” بل اكتفت بصناعة الوهم، وأظهرت أن مشاهد الـAction لم تؤدِّ إلى بطولاتٍ حقيقيّة بقدر ما أفرزت أنانيةً وضعفًا وعبادةً للذات وفقدان روح الجماعة.
وفي المقابل، تأتي “البطولة” التي لم تُصوِّرها هوليوود من أهل غزّة: بيوتٌ تتحول إلى أنقاضٍ في ثانيةٍ واحدة، لكن أصحابها يطمئنون على جيرانهم، ويذرعون الشوارع مشرَّدين لكن بكرامة، يملؤون الآفاق بعبارة “الحمد لله”، يتقاسمون الخبز فيما بينهم، فقراء الجيوب، أغنياء القلوب. فما أقبح الفقر، وما أروع الفقراء!