في إطار الجهود المبذولة لتحسين البيئة وزيادة المساحات الخضراء في البلاد، انطلق فريق “بغداد التطوعي” لحملات تشجير واسعة النطاق، بالتزامن مع مبادرة رئيس الوزراء محمد السوداني.
الفريق الذي تم تسجيله رسمياً في أمانة بغداد، يسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في المجتمع من خلال نشر ثقافة التشجير وزيادة الوعي البيئي بين المواطنين.
وتوضح مريم صبري، مسؤولة فريق تشجير بغداد الذي أصبح اسمه فريق بغداد التطوعي أن الفكرة كانت تراودهم منذ فترة طويلة، لكن التحديات كانت كبيرة، خاصة في ما يتعلق بكيفية البدء في مثل هذا المشروع الواسع. وتقول: “رغبتنا في إطلاق مبادرة للتشجير كانت موجودة منذ البداية، لكننا لم نكن نعلم من أين نبدأ أو كيف نتواصل مع الجهات الرسمية لتنظيم العمل بشكل صحيح. مبادرة رئيس الوزراء كانت الدافع الرئيس لنا، إذ قدمت لنا الحافز والشجاعة للبدء بشكل منظم ومدروس.”
لم يكن الأمر سهلاً
وتضيف مريم أنها كمرأة مسؤولة عن الفريق، واجهت تحديات عديدة في البداية، خاصة عند النزول إلى الشوارع والزوايا التي تحتاج للتشجير. “كان من الصعب التواصل مع الأهالي والمحال التجارية لإقناعهم بجدوى المبادرة. كثير من الناس كانوا مترددين في البداية، خاصة لأنهم لم يكونوا على دراية كافية بفوائد التشجير. لكن مع إطلاق المبادرة الحكومية، شعرت بالثقة والدعم الذي مكنني من التواصل مع الناس بشكل أفضل”، تقول مريم.
وتؤكد، أن الفريق بدأ بالتواصل مع الأهالي وتقديم المعلومات بشكل مفصل حول فوائد التشجير، ليس فقط من ناحية تحسين مظهر المدينة، بل أيضا في ما يتعلق بالفوائد البيئية مثل تحسين جودة الهواء وتنقية الجو من الملوثات. “نحرص على أن نشرح للناس تأثير الأشجار في تقليل درجات الحرارة، ودورها في توفير الأوكسجين وتقليل الغبار، بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية المحتملة مثل تحسين قيمة العقارات في المناطق المزروعة”، تضيف مريم. وتؤكد أن استخدام أسلوب تفاعلي ومباشر كان له الأثر الكبير في كسب دعم السكان وتعاونهم في المبادرة.
التوعية قبل التشجير
وتتابع مريم صبري، مسؤولة فريق بغداد التطوعي، قائلة: إن هدفهم لم يكن فقط زراعة الأشجار، بل أيضا نشر الوعي بأهمية التشجير، حيث يعد هذا الجانب الأكثر أهمية في حملتهم. “لم نكتفِ بالعمل الميداني فقط، بل ركزنا بشكل كبير على التوعية والتثقيف الزراعي. كان هدفنا هو زرع الوعي بفوائد التشجير في المجتمع؛ كجزء من مسؤوليتنا تجاه البيئة” توضح مريم، ومضيفةً أن الحملة لاقت تفاعلاً واسعاً من الناس وحظيت بصدى إيجابي في الأوساط المحلية.
بداية الحملة كانت في العاشر من آب، حيث نشرت مريم أول منشور على منصات التواصل الاجتماعي، موضحة أن التفاعل في البداية كان محدوداً. “لم يكن التفاعل في البداية كما كنا نتوقع، لكني لم أستسلم واستمريت في نشر المنشورات والمعلومات بشكل منتظم. ومع الوقت، بدأت ألاحظ تزايد عدد المتابعين وتفاعل الناس بشكل أكبر،” تقول مريم.
وتوضح أن الكثير من الناس استجابوا للحملة وتحمسوا للفكرة بعد رؤيتهم للمنشورات، مما شجع البعض منهم على الانضمام للفريق والمشاركة في أنشطة التشجير. “بفضل التوعية المستمرة، تمكنا من كسب دعم المجتمع، ليس فقط على منصات التواصل، بل أيضا على أرض الواقع، حيث انضم إلينا عدد من المتطوعين الذين ساعدونا في تنفيذ أنشطة التشجير المختلفة”، تضيف مريم.
الخطط التي لا تنتهي
وتستمر مريم في توضيح كيفية إدارة الحملات والأنشطة عبر فريقها، مشيرة إلى أنهم يعتمدون على مجموعة واتساب خاصة للفريق من أجل التواصل الفعال وتوجيه الأعضاء. وتقول: “أقوم بإرسال التوجيهات والمعلومات حول الحملات، مثل خططنا المستقبلية وآلية تنفيذ الحملات الميدانية. أحرص دائما على حضور الاجتماعات والتحضير لكل التفاصيل اللازمة بنفسي لضمان سير العمل بشكل جيد”.
وتشير مريم إلى أن الدعم المالي محدود، حيث أن الفريق يتكون في الغالب من طلاب جامعات وأصحاب مهن حرة، مع قلة من الموظفين، مما يجعل مصادر التمويل قليلة. وتوضح قائلة: “لهذا السبب، بدأنا بفريق صغير يتكون من 30 عضواً، جميعهم انضموا بدافع التطوع في المبادرة. خلال الشهر الأول، كنت أمول الأنشطة من مالي الخاص، فقمت بتجهيز الفريق بملابس موحدة تحمل شعار الفريق ‘ما كان لله ينمو’، بالإضافة إلى تأمين أدوات الزراعة التي نحتاجها للبدء في العمل”.
الهدف من كل هذه التجهيزات هو بناء فريق متماسك يتمتع بروح العمل الجماعي والمسؤولية تجاه البيئة، تقول مريم: “حتى مع قلة الموارد، أردت أن يشعر الجميع بأنهم جزء من شيء أكبر، وأن يعتزوا بعملهم التطوعي من أجل بغداد”.
بأموال ذاتية
الفريق، بجهود ذاتية وبمساعدة المتطوعين، استطاعوا جمع التبرعات وشراء شتلات لتنفيذ حملاتهم الأولى. “بمساهمة أعضاء الفريق، تمكنا من شراء شتلات وبدأنا أولى حملاتنا في مدرسة نون والقلم في منطقة الشعب. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بالتعاون مع بلديتي الشعب والأعظمية لزراعة الجزرات الوسطية،” تقول مريم، مشيرة إلى أهمية التعاون مع المؤسسات المحلية لضمان نجاح المبادرة.
الفريق بدأ حملاته بشكل فعلي في الأول من تشرين الأول، موضحة أن يوم الجمعة يعد يوم إجازة لجميع الفرق التطوعية، لكن فريقها يواصل العمل في هذا اليوم لمتابعة ما تمت زراعته والاهتمام به. “نحرص على النزول للميدان في أيام العطلة لمتابعة ما قمنا بزراعته والتأكد من سلامته، وحتى في الأيام العادية، كنا نخرج لتنفيذ حملات الزراعة. من بين سبع حملات قمنا بها حتى الآن، تمكنا من تنفيذ خمس حملات بنجاح”، توضح مريم.
من خلال الاجتماعات المتواصلة، توصل الفريق إلى اتفاق مع المشاتل حول أنواع الأشجار المناسبة لزراعتها في الأحياء والشوارع. “اتفقنا على استخدام أشجار مثل الألبيزيا، الكالبتوز، والسدرة، ولكن لاحظنا أنها غير مناسبة للأزقة الضيقة بسبب حجمها الكبير الذي قد يتسبب في مشاكل مستقبلية. لذلك، قررنا زراعتها فقط في الشوارع العريضة، بينما اخترنا أشجاراً متوسطة الحجم للأزقة الضيقة لضمان سلامة البنية التحتية وملاءمتها للمساحات المتوفرة”.
وتضيف مريم، أن الفريق واجه تحديات مالية، حيث أن بعض الأشجار المتوسطة الحجم تكلف خمسة آلاف دينار لكل شجرة، وهو مبلغ يصعب تغطيته بشكل دائم، خصوصا أن الزقاق الواحد يحتاج لعدد كبير من الأشجار. “نحن نعتمد على جهودنا الذاتية ودعمنا محدود بين أعضاء الفريق، ومع ارتفاع أسعار الأشجار، يصبح من الصعب تلبية احتياجات كل حملة. بالإضافة إلى ذلك، قد تتلف بعض الأشجار نتيجة لعدم توفر الدعم الكافي والعناية المستمرة”.
هل من دعم للاستمرار؟
وتؤكد مريم في حديثها على الحاجة الملحة لدعم حقيقي ومستدام من الجهات المعنية والمؤسسات لتتمكن الحملة من الاستمرار والتوسع. “بدون دعم ملموس، سيكون من الصعب علينا مواصلة جهودنا، على الرغم من إيماننا بأهمية هذا العمل وتفاني أعضاء الفريق في سبيل تحسين بيئة مدينتنا، من خلال الوكالة نطمح لوصول صوتنا ودعم قضيتنا”، تقول مريم.
الفريق اتجه مؤخراً نحو المستشفيات والمدارس لتنفيذ حملات التشجير كما تؤكد مريم بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع). “لاحظنا أن الكثير من المدارس لا تحتوي على أشجار وأن ساحاتها جرداء، لذا قررنا زراعة الأشجار التي تكون أسعارها معقولة في هذه الأماكن لأنها أيضا توفر مساحات واسعة للزراعة”.
كتيبات تعليمية
وأعدت مريم كتيباً تعليمياً يحتوي على معلومات توعوية وتشجيعية حول أهمية الزراعة، وتخطط لتوزيعه بين المدارس بأسلوب مبسط ومناسب للأطفال والطلاب لتعزيز وعيهم البيئي منذ الصغر. “هدفنا هو نشر التثقيف الزراعي بشكل يسهل فهمه من قبل الطلاب وتشجيعهم على المشاركة في عمليات الزراعة”.
وتؤكد مريم أنهم يعتزمون أيضا توزيع هذه الكتيبات بين الأزقة بمساعدة الفرق الجوالة، وذلك لتحفيز السكان على الزراعة والحفاظ على الأشجار والنباتات التي تزرعها فرقهم أو فرق أخرى. “نريد أن يدرك الناس قيمة الشجرة وأهمية الحفاظ عليها، وأن يتعاونوا معنا في حماية ما نزرعه لنجعل مدينتنا أكثر خضرة”، تقول مريم.
وتعبر مريم صبري عن فخرها بالإنجازات التي حققها فريق بغداد التطوعي خلال شهر واحد فقط من العمل الدؤوب. “خلال هذا الشهر، تمكنا من قطع أشواط كبيرة وتحقيق تقدم ملموس، حيث أقمنا نشاطات بالتعاون مع فرق تطوعية أخرى والبلديات المحلية. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا التعاون والتكاتف بين الجميع، ونحن نرحب دائما بمشاركة جميع الفرق المتطوعة معنا”.
البلديات كانت شريكاً فعّالاً للفريق، كما تبين مريم، أن المدارس لها الأولوية في حملاتهم، مشيرة إلى أهمية التركيز على هذا الجانب لنشر الوعي البيئي بين الأطفال وتعزيز قيم الزراعة والحفاظ على البيئة.