في عالم كرة القدم، كما في أغلب الألعاب الرياضية، يلعب الجمهور دورًا مهمًا كمحفز لتحقيق الفوز. لكن الحماس والتشجيع يجب أن يبقيا بعيدين عن التشنجات والشعارات العدائية التي قد تستفز الخصوم. في العراق، خلال المسابقات الرياضية، نشهد اندفاعًا مفرطًا من الجمهور المتعطش للفوز، وهو أمر طبيعي ومشروع، لكنه يترافق أحيانًا مع سوء فهم للتنافس الرياضي الراقي الذي بلغته الأمم الأخرى.
رفع سقف التوقعات من دون وجود أساس متين يؤدي إلى المفاجأة بالنتائج، كما حدث مع خسارة المنتخب العراقي أمام نظيره الأردني مؤخرًا. فالأهازيج والهتافات وحدها لا تحقق الانتصارات، بل تأتي النتائج من خلال التدريب الجيد، الإدارة المحترفة، اختيار نخبة من اللاعبين والمدربين، وضع الخطط المناسبة، وتوفير البنية التحتية المواكبة للتطور العالمي.
للتذكير فقط، فإن المنتخب العراقي الذي تأهل إلى كأس العالم عام 1986، هو الوحيد الذي نجح في ذلك بعد خوض التصفيات كاملة خارج أرضه. لم يكن الجمهور حاضرًا في مبارياته إلا نادرًا، في بعض الدول من قبل الجالية العراقية. ومع ذلك، تألق نجوم مثل الكابتن رعد حمودي، المرحوم أحمد راضي، كريم علاوي وشقيقه خليل، الأسمر الطائر علي حسين، المرحوم ناطق هاشم، سمير شاكر وآخرين. هؤلاء اللاعبين لم يكونوا محترفين في الدوريات الأجنبية ولم يحصلوا على الامتيازات المتوفرة اليوم، بل واجهوا تحديات قاسية تحت سلطة استبدادية.
في الوقت الحالي، يتمتع المنتخب العراقي بدعم مادي ومعنوي كبير من الجماهير والحكومة. لذلك، يجب أن تتوازى النتائج مع هذا الدعم، بما يليق بسمعة الكرة العراقية. من هنا، يجب الابتعاد عن الشعارات الزائدة والاعتماد على أسس واضحة لتحقيق الانتصارات، وليس فقط على الحماس أو عبارات مثل “دعاء الأمهات”.
علينا أن نتذكر كيف كان الجمهور العراقي في الماضي، ملتزمًا بالنظام، محترمًا للذوق العام، ومتحضرًا في التشجيع. كما كان واعيًا بالقوانين الرياضية ومحترمًا للخصوم. اليوم، هناك حاجة لترسيخ وعي رياضي بين الجماهير، بحيث يدرك الجميع أن الفوز والخسارة أمران واردان في عالم الرياضة، وأن الفرق المتمكنة فنيًا لا تعتمد على السخرية أو الاستفزاز، بل على الأداء والخطط المحكمة.
كما رأينا في تجربة المنتخب الكوري الجنوبي، الذي يقدم أداءً رائعًا بأسلوب لعب نظيف وخطط واضحة، فإن التركيز والانضباط هما المفتاح. بالمقابل، يعاني المنتخب العراقي من مشكلات فنية، مثل ضعف الهجوم والدفاع، فقدان الكرة بشكل متكرر، وتشتيت الكرات بلا هدف.
إذن، التشجيع وحده لا يكفي.
تنويه: الآراء والتعليقات الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة سياسة أو رأي الوكالة.