وكالة عراقنا الإعلامية

شبيه الشيء منجذب إليه

65 مشاهدات
4 دقيقة للقراءة

بقلم: علي العلي التميمي

قد يستغرب البعض من الاصطفافات الاجتماعية والسياسية والدينية في عصرنا الحالي، فحتى الشخص الذي ينتقد هذا أو ذاك قد تجد له ميولاً لمن يرى فيه ضالته أو يظن أنه قدوته. يقول أحد الحكماء: “رأيت غراباً ولقلقاً يطيران معاً ويهبطان سوياً رغم اختلافهما في اللون والشكل، فتعجبت من تلك العلاقة، وعندما اقتربت منهما، رأيت أنهما أعرجان!”

قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف”. وفي الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي؛ فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله”. كذلك يقال في التنمية البشرية أن “الأرواح جنود مجندة، منها ما اختلف ومنها ما ائتلف”، لذا قد يشعر أحدنا بانجذاب لشخص ما بمجرد رؤيته لأول مرة، وكأن معرفة قديمة تربط بينهما، وهذا الانجذاب قد يبدو بلا تفسير منطقي ويظنه البعض مجرد ميول.

في علم النفس، يؤكدون أن الأرواح لديها قدرة على التخاطر واستكشاف أعماق النفوس، ويرون أن تجاذب الأرواح من أرقى العلاقات الإنسانية، فلكل إنسان شبيه روحي يتناسب معه. ولا يأتي هذا الانجذاب بالفطرة فقط، بل أيضاً بسبب التشابه في الصفات. فقد نجد شخصاً يعبّر عن تقديره لشخصية ما تساهم في مواجهة الباطل وتبرز على صفحاته عبارات التشجيع، بينما قد يواجه اعتراضات وانتقادات من آخرين، فيذهب هؤلاء للاعتراض وكأن ذلك يتعارض مع الحرية الفكرية التي يتشدقون بها.

وهكذا نجد أن توجهات الأفراد إلى الأندية الاجتماعية، الرياضية، أو العلمية تتمايز، وحتى اختياراتهم لأماكن العبادة أو الشخصيات التي يتبعونها. أما في المجالس العامة، فقد يظهر التناقض بوضوح حيث يحتفى بالسطحية ويهمل أصحاب الفضل والخير. وقد حضرت مؤخراً مجلساً اجتماعياً في البصرة، تحدث فيه عدد من الأفراد بصخب ولم يُضِف حوارهم شيئاً سوى الجدال وحب الظهور، وسط صمت الوجهاء وأهل الحكمة.

ويستمر الحال في مناسبات متنوعة حيث يبرز فيها المديح للأشخاص الطارئين ويغض الطرف عن أصحاب الخصال الحميدة. ويأتي هذا في زمن انقلبت فيه الموازين، حيث يقدّر الجاهل ويُهمّش المثقف والأصيل، وترى في مجالس الشعر والأدب من ينشد كلمات سطحية لتمجيد أشخاص لا يستحقون، بينما يُهمل من هم أهل للتقدير.

لهؤلاء الذين يقيمون الأمور حسب أهوائهم نقول: في مدرسة أهل البيت نجد مثالاً ناصعاً في التواضع والإحسان، مثلما كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يجسد بسيرته قمة التواضع والرحمة. فقد خرج يوماً على أصحابه وهو راكب، ومشوا خلفه، فقال لهم: “ألكم حاجة؟” قالوا: “يا أمير المؤمنين، ولكنا نحب أن نمشي معك.” فقال: “انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي.”

وذكر أن زعماء الأنباط حين قدموا إليه ترجلوا وقابلوه بالإجلال، فقال لهم: “ما هذا الذي صنعتموه؟” قالوا: “خلق منا نعظّم به أمراءنا.” فقال: “والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم وإنكم لتشقّون به على أنفسكم وتشقون به في آخرتكم وما أخسر المشقة وراؤها العقاب وما أربح الراحة معها الأمان من النار.”

يقول الله تعالى:

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

وأيضاً:

{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}

صدق الله العلي العظيم

تنويه: الآراء والتعليقات الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة سياسة أو رأي الوكالة.

شارك هذا المنشور
Exit mobile version