نعيم العكيلي
حسنا ما فعلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإدراج جرائم حزب البعث الفاشي ضمن مناهج الدراسة، فالخطوة وإن جاءت متأخرة كثيرا لكنها افضل من أن لا تاتي. إن جرائم البعث فوق حد الرصد والاحصاء، فهي تتصاعد من الاغتيال الفردي إلى مستوى الجرائم الجماعية المروعة التي لم يرتكب مثلها حتى في الحروب بين الدول كالحربين العالميتن الأولى والثانية، فجريمة استعمال السلاح الكيمياوي ضد الشعب الكردي لم يستعمل في الحرب العالمية الأولى، وكذلك في الحرب العالمية الثانية، ولو على فرض استعماله، فإننا لم نسمع باستعماله وهو المحظور دوليا من قبل نظام ضد مواطنيه كما حصل في العراق في عمليات سماها نظام البعث باسم سورة من سور القرآن الكريم ” عمليات الانفال “، فقد محى النظام بجريمته تلك آلاف القرى بعد أن قضى على سكانها وحيواناتها الا من استطاع الفرار بجلده وقليل ماهم.
في اعلان صدر عن الأمم المتحدة في (2023) : أن عدد ضحايا الكرد على يد نظام البعث بلغ (100) الف انسان, ولم تكن جرائم البعث في الجنوب أقل فظاعة مما تعرض له الكرد ، فقد سيق آلاف الأبرياء إلى مقابر جماعية بعد انتفاضة (1991) ملأت ارض المحافظات الوسطى والجنوبية وضمت أطفالا صغارا ونساءا ، كما تم تجفيف الاهوار امعانا في تدمير سكان الجنوب بقطع سبل عيشهم.
إن تدريس جرائم البعث في الكليات والمعاهد والمدارس الإعدادية أكثر من ضرورة لاعتبارات في مقدمتها: لكي لا تنسى الأجيال تلك الجرائم، ولكي يطلع عليها جيل مواليد ما بعد التسعين الذين لم يعيشوا تلك الحقبة السوداء، كما أن حضور جرائم البعث في المناهج الدراسية يمنح الذاكرة العراقية شيئا من الحصانة والتثقيف ، وهو ايضا جدار صد في وجه تكرار التجربة، لأن التاريخ كثيرا ما يتكرر في المشاهد والسلوكيات بأسماء وبمدعيات أخرى. أن إدراج جرائم البعث في المناهج الدراسية إلى جانب مادة حقوق الإنسان يعني أن تلك الجرائم وحظر البعث ليس فقط أخذ طابعا رسميا, وانما يصبح خزينا في وعي المواطن وجزءا من ثقافته.
إن جميع ضحايا البعث من ذوي الرأي، شهداء كانوا أم سجناء سياسيين هم ابرياء اذا ما عرضت محاكماتهم على ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتحدة في (ديسمبر / 1948) فجميع المتهمين الذين حكم عليهم النظام في محاكمه الصورية لم تتوافر لهم المحاكمات بالمواصفات التي نص عليها الاعلان في المادة (11) إذ نصت : ” لكل إنسان الحق على قدم المساواة في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا … في أية تهمة جنائية توجه إليه “, ونصت المادة (11) ” كل شخص متهم بجريمة بجريمة يعتبربريئا الى ان تثبت ادانته قانونا قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه “.
والمعروف عن محاكم البعث انها فاقدة لأية صفة من الصفات المنصوص عليها في المادتين أعلاه ، فهي محاكم كان قضاتها من رفاق البعث, وكانوا اقرب الى الجزارين منهم إلى القضاة، ولم يتوفر للمتهم حق الدفاع عن نفسه، ولم يستطع توكيل أحد يدافع عنه. لقد تمت تصفية عشرات الآلاف من العراقيين من دون محاكم حتى ولو صورية بعد أن ذاقوا الوان التعذيب الجسدي والنفسي، وبعضهم تمت تصفيتهم في السجون السرية للنظام بعد ان حوكموا واكتسبت أحكامهم درجة البنات، فقد تم مطلع الثمانينيات اقتياد أكثر من (2000) سجين سياسي من الأقسام الخاصة المغلقة إلى المجهول وهم ممن اكتسبت الأحكام الصادرة بحقهم درجة البتات ويفترض انهم بانتظار محكومياتهم.
وعودا على بدء, تظل جرائم البعث ونظامه العنصري الطائفي الذي شيده في العراق فوق حد الاحصاء, وحسنا ما فعلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.